المياه البيضاء على العين

صحيح أن المرض يُعرف بالمياه البيضاء، لكن الأمر لا علاقة بمياه بيضاء،
لكن التسمية ظهرت لأن المريض يشعر أنه ينظر من خلال ضباب أو سحابة بيضاء،
ولهذا فهو يظن أن هناك مياه بيضاء تعيق الرؤية داخل العين.
والمياه البيضاء -أو الكتراكت- هو نوع من الإعتام يحدث في عدسة العين،
ويمكن للكتراكت أن تصيب عينا واحدة أو الاثنتين، لكن في أغلب الحالات تصيب
العينين معا.

كتراكت
لا يظهر مرض الكتراكت فجأة، وإنما يتطوّر شيئا فشيئا ببطء، ويؤدي إلى
تدهور الرؤية باستمرار، وقد يصل الأمر في النهاية إلى العمى الكامل. ويبدو
الأمر كما لو أن سحابة بيضاء توجد في مجال الرؤية، ويشبه الأمر محاولة
الرؤية من خلال الضباب، أو من نافذة تجمَّع عليها بخار الماء. ويجد المصاب
بالكتراكت أنه من الصعب عليه ممارسة القراءة أو قيادة السيارات، خاصة
أثناء الليل، وأحيانا لا يستطيع تمييز التعبيرات على وجوه الناس. ويؤثر
المرض أيضا على مدى الرؤية، لكنه في العادة لا يسبب ألما أو تهيجا في
العين.

المياه البيضاء على العين 3elm_09

والكتراكت يعتبر من الأعراض الطبيعية التي تصاحب التقدم في العمر،
وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي نصف الأمريكيين فوق الخامسة والستين لديهم
الكتراكت بدرجة ما، أما بعد سن الخامسة والسبعين فتصل نسبة المصابين
بالكتراكت إلى حوالي سبعين بالمائة.
في بداية المرض يمكن معالجة الأمر بارتداء النظارات الطبية، وباستخدام
مصدر ضوء قوي للتمكين من الرؤية، لكن هناك درجة معينة من تقدم المرض لا
تجدي معها هذه الأمور، وهنا لا بد من إجراء العملية.

الأعراض
لا يسبب الكتراكت ألما، ولا ينتبه إليه المريض في البداية؛ لأنه يظهر
تدريجيا، وفي البداية تتكون السحابة على جزء صغير من عدسة العين، ثم تكبر
تدريجياً، وكلما كبرت السحابة كلما قلّت كمية الضوء التي تدخل إلى الشبكية
وكلما قلت الرؤية، خاصة أثناء الليل.
ويرى المريض أحيانا هالات حول مصادر الضوء، ويحتاج إلى ضوء قوي؛ ليتمكن
من الرؤية جيدا، رغم أن عينيه تصبحان حساستين للضوء ولا تتحملان الوهج
القوي. أحيانا يشعر المريض باصفرار الألوان أو بهتانها، وأحيانا تكون هناك
رؤية مزدوجة في العين الواحدة. و(يرمش) المريض كثيراً؛ لمحاولة تحسين
الرؤية.
ولا يمثل المرض خطورة كبيرة، إلا إذا كان المريض يمارس قيادة المركبات.
ولا تبدأ خطورة المرض إلا إذا أصبحت العدسة بيضاء تماما، عندها يبدأ الألم
والصداع والالتهاب، لكن من غير الشائع أن يصل المرض إلى هذه الدرجة.

ولماذا نصاب بالكتراكت؟
وظيفة عدسة العين هي تركيز الضوء الداخل إلى العين لتكوين صور واضحة
على الشبكية، حيث تعمل الشبكية كفيلم الكاميرا الحساس الذي تتكون عليه
الصور. عندما يكون هناك كتراكت، تتكون سحابة بيضاء على العدسة تشتت الضوء
الداخل إلى الشبكية فلا تكون الصور المتكونة واضحة. ولنفهم كيف تتكون هذه
السحابة دعونا نلقي نظرة على تكوين عدسة العين.
تتكون عدسة العين من ثلاثة طبقات: طبقة خارجية تتكون من غشاء رقيق
وتسمى الكبسولة، يليها طبقة من مادة لينة تدعى اللحاء، ثم في القلب مادة
أكثر صلابة هي النواة. ويمكن للكتراكت أن تحدث في أي طبقة من الثلاثة.
إذا حدثت الكتراكت في النواة، يفاجأ المريض في بداية الكتراكت أن نظره
قد تحسّن، فإذا كان يرتدي نظارات طبية أمكن له أن يستغني عنها! لكن هذا
التحسن مؤقت للأسف. بعدها تزداد كثافة السائل بداخل العدسة وتصبح الرؤية
مضبّبة، ويصفرّ لون العدسة شيئاً فشيئاً، وفي الحالات المتقدمة يمكن أن
يتحول لونها إلى البني.
إذا أصابت الكتراكت طبقة اللحاء فإنها تظهر على هيئة شرائط بيضاء،
وبتقدم المرض تمتد الشرائط إلى مركز العدسة وتعوق مرور أشعة الضوء إلى
مركز العين.
ويمكن أن تصيب الكتراكت منطقة ما أسفل الغشاء، وهي الطبقة الأولى من
العدسة؛ لتظهر على هيئة منطقة معتمة. وهذا النوع عادة ما يظهر في العينين
معاً، لكنه يميل إلى أن يكون أسوأ في إحدى العينين عن الأخرى.

المياه البيضاء على العين 3elm_10

وما يحدث هو أنه مع التقدم في العمر تصبح عدسة العين أقل مرونة وأكبر
سمكا وأقل شفافية. وعدسة العين تتكون في الأساس من الماء ومن ألياف
بروتينية. هذه الألياف البروتينية مرتبة بطريقة معينة بحيث تظل العدسة
شفافة ومُنفِذة للضوء، دون أن تتداخل ألياف البروتين مع هذه العملية. مع
التقدم في العمر تبدأ هذه التركيبة الدقيقة من الألياف البروتينية في
التحلل، وبعض الألياف تلتصق معاً مكونة سحابات معتمة صغيرة في العدسة،
وتكبر هذه المساحات شيئا فشيئا كلما تجمعت ألياف البروتين معا.
وليس من المعروف حتى الآن لماذا يحدث هذا الأمر مع التقدم في العمر،
وإن كان السبب الأرجح لهذا هو التلف الذي تحدثه الشوارد الحرة، والتي تكثر
مع التقدم في العمر، ويرجح أن العدسة تبلى كما يبلى كل شيء آخر.
هناك بعض الأمور التي تزيد من احتمالية حدوث الكتراكت، أو تزيد من
حالتها سوءاً إذا كانت موجودة، ومنها: مرض السكر، وإصابات والتهابات
العين، والعوامل الوراثية، والتعرض للإشعاع أو الأيونات، والاستخدام
المطوّل للكورتيزون، والتدخين.

والعلاج
العلاج الوحيد الفعال للكتراكت هو الجراحة، حيث يتم إزالة العدسة
المعطوبة وزرع واحدة أخرى سليمة. ومنذ عدة سنوات كانت تباع قطرة عين لعلاج
الكتراكت، إلا أنه ثبت أنها بلا أية فعالية.
وعلى المريض الذي لا يرغب في الجراحة مراعاة بعض التدابير البسيطة،
كارتداء النظارات الطبية لتحسين النظر أو تغيير قوة عدسات النظارة إذا كان
من مرتدي النظارات، وزيادة قوة المصابيح الكهربية في المنزل، وارتداء
النظارات الشمسية أثناء النهار؛ لتقليل الوهج، والامتناع عن القيادة
ليلاً. وستساهم هذه التدابير في تحسين الأمر قليلا، ولكن إلى وقت معين
تصبح فيه الجراحة أمرا حتميا.

المياه البيضاء على العين 3elm_11

هناك عدة أنواع من الجراحة، لكن النوع الأكثر شيوعا هو الذي يتم فيه
إزالة العدسة مع الحفاظ على معظم الكبسولة (الجزء الخارجي) سليما، عادة
باستخدام موجات صوتية عالية التردد، ويتم وضع عدسة بلاستيكية بدلا من
الجزء المُزال.
عادة ما تتم هذه الجراحة تحت مخدر موضعي، ويستطيع المريض العودة إلى المنزل في نفس اليوم.