وهم.......اسمه الحب

الحب كلمة تحرك المشاعر الكامنة فتهز أوتار القلوب، و يستخدمها الناس لوصف مشاعر ورغبات الارتباط تجاه فرد أو مجموعة، وفي البداية يولد الطفل محبا لنفسه فلا يشعر إلا بنفسه وحاجته هو دون غيره، فعندما يشعر بالجوع فانه يبكي، ويظل كذلك دون مراعاة لمن حوله، إلى أن تأتي أمه فتطعمه فيهدأ، ويتكرر نفس الشيء عندما يشعر بالخوف، فكل حبه يتوجه إلى نفسه، وارتباطه بالأم الذي يبرز بعد فترة هو ارتباطه بمن يشبع له رغباته وحاجاته، إنه حب من أجل نفسه، وحفاظا على بقائه، وهذه الظاهرة يسميها علماء النفس "النرجسية الأولية".. أي حب الذات الأولى




إلى أن يدرك أن هناك آخرين (أمه و أبوه وإخوته)

ولكنه يظل على أنانيته، فيرغب أن يكون كل شئ له وحده (كل اللعب و كل الحلوى) فإذا أحضر له والده قطعة من الحلوى فانه يرفض إعطاء أخيه جزءا منها، وهنا تتدخل الأم في محاولة لجعله يتنازل عن جزء من حلوته مقابل حبها له وحب أخيه، وإنها سوف تحضر له حلوى مرة أخرى إذا أعطى أخاه جزءا الآن، وهنا يتنازل الصغير عن جزء منها، أي أنه يتنازل عن جزء من حبه لنفسه ويعطيه للآخر كي يأخذ منه مقابلا لهذا الحب، هذا المقابل قد يكون ماديا أو معنويا يتمثل في رضاء الأم وحبها له، وهكذا يحوز الطفل القبول الاجتماعي داخل الأسرة وخارجها بتنازله عن جزء من حبه لنفسه، وهو ما نسميه (النرجسية الثانوية).



عندما يشب الطفل يكون البلوغ حيث تفرز الهرمونات الجنسية فتحرك شهوته وميوله تجاه الجنس الآخر، ولكنه يتعلم من المجتمع أن الجنس عيب، ولا يقبل التعبير عنه بشكل مباشر، أما المقبول فهو الحب الذي يتغنى به الناس، ويعبر عن نفس الميول، فيستخدم كلمة الحب ليعبر عن ميوله وغرائزه التي تحركت بعد البلوغ.



ومن هذا نخلص إلى أن الحب إنما هو حب النفس في المقام الأول ، ويحب الشخص الآخر كي يحصل على مقابل لهذا الحب، هذا المقابل هو الإشباع المادي أو المعنوي، والأدلة على ذلك ليست قليلة منها:



1. ما يتردد في أقوال الناس في صراحة ووضوح ... أحبك قوي قوي لكن أكثر من نفسي لا

2. قد يختفي الحب أو تقل حدته بعد تحقق الإشباع، مثل الإشباع الجنسي الذي يتحقق بعد الزواج، فتنطفئ شعلة الحب المتقدة ويحل الفتور بعد الشوق والهيام، بل أحيانا يصل الأمر إلى الملل والطلاق

3. في حالات الفراق واختفاء المحبوب دون أمل في عودته يكون النسيان وإحلال البديل

4. عند اكتشاف المحب خيانة محبوبته ينقلب هذا الحب إلى عداء قد يصل إلى درجة القتل أو التشويه

5. عندما يختلف الحبيبان لسبب ما، فان كلا منهما يتعصب لرأيه ويتعاطف مع نفسه وينحاز إليها أكثر من تعاطفه مع الطرف الآخر



و لكن ما دوافع الحب المعنوية ؟



إنها الحاجات النفسية التي يرغب الشخص في إشباعها، سواء كان واعيا بها (أي في مستوى عقله الظاهر) أو غير واع بها (على مستوى عقله الباطن). وأشهر الدوافع النفسية للحب هي حب فتاه لرجل في سن أبيها كبديل للأب، أو حب فتى لامرأة في سن أمه (أو أكبر منه بعدة سنوات) كبديلة لأم، إنها الرغبة في أن يظل كل منهما مستشعرا لحنان الأب أو الأم في مقابل طفولته، و لو فرض أن الأكبر تحمل طفولة الأصغر فإن الأصغر قد ينضج ويصبح في غير حاجة لحنان الأب أو الأم، وهنا يثور ويبحث عن آخر ليكون ندا له.



ومن بين الحاجات النفسية فارس الأحلام أو فتاة الأحلام التي يحلم بها المراهق (أو المراهقة)



وعندما تجد هذا الفارس فإنها تهيم به حبا من أول نظرة له، ويطلق عليه البعض الحب من أول نظرة، ولقد تكونت صورة فارس الأحلام في عقل الفتاة عبر سنوات حياتها السابقة بدءا من الطفولة، عندما كانت تمر بمواقف وأحداث تميل لملامح معينة في الشكل والشخصية، فالطفل عندما يلقى معاملة طيبة من شخص فانه يطمئن إليه وترتبط ملامحه في ذهنه بالمعاملة الطيبة، وتظل تتجمع في ذهن الفتاه ملامح كل من تطمئن إليهم ، حتى تتكون في النهاية لديها صورة مفضلة لشخص يبعث في نفسها الإحساس بالأمان والثقة، وتود الارتباط به، وهذه الصورة قد تكون واضحة في ذهن الفتاه أو تكون غير واضحة أو غير مكتملة الوضوح، ونفس الشيء يحدث للفتى فيما يتعلق بفتاة أحلامه


وهو كما نلاحظ حبا مبنيا على خبرات سابقة ليست خاصة بنفس الشخص، بل يضاف إليها خيال المراهقة وأحلام اليقظة، وما بني على الخيال فقط لا يصلح أساسا للواقع، فقد يكون من طرف واحد ومن خيال أحد الطرفين، وإذا كان من الطرفين فانه خيال مراهقة، ويفترض كل منهما أن يجد في الآخر المواصفات التي تخيلها، وهذا نادرا ما يتحقق، لذلك غالبا ما يصدم كل منهما في الآخر وسرعان ما يموت الحب الذي كان متوجها لأن كلا منهما يحب تحقق الصورة التي بداخله على الشخص الآخر.



أما دوافع الحب المادية فهي حاجته من جنس ومال ومكانة اجتماعية، وإذا كان ما سبق تقسيم للحب على أساس الدافع، فان هناك تقسيما لأنواع الحب طبقا لشخص المحبوب فهناك الحب العاطفي وحب الأصدقاء والإخوة والأبناء وحب الوطن وحب الإنسانية وحب الوالدين وحب الله.



· الحب العاطفي : وهو الحب بين رجل وامرأة وتلعب فيه الحاجات المادية من غريزة أو غيرها من حاجات الحياة دورا، كما يلعب البناء النفسي وحاجات الإنسان المعنوية الدور الأكبر في هذا النوع من الحب.



· حب الأصدقاء والاخوة والأبناء: حيث يرى الشخص نفسه في أخيه أو صديقه أو ابنه إما لأنه يشبهه أو ينتمي إليه، أو يتفق معه في تفكيره ومشاعره، أو يختلف عنه فيكمله، أو لأن كلا منهما في الصورة التي كان يرغب الآخر أن يكونها.



· حب الوطن : وهو حب لما ينتمي إليه الشخص ولو كان منتميا لوطن آخر لأحبه نفس الحب.



· حب الإنسانية : وهو حب لقيم وأخلاقيات يزرعها المجتمع في نفس الطفل عندما علمه كيف يتنازل عن جزء من حبه لنفسه، ليحب به الآخرين، كي يأخذ حبا مقابلا وقبولا أكثر من المجتمع.



· حب الوالدين: وهو عرفان بالجميل لمن أعطونا في طفولتنا وأصبحت ترتبط صورتهم في أنفسنا بالحنان والرعاية والأمان التي كثيرا ما عشناها معهم في طفولتنا، وكثيرا ما رأينا أبناء يكرهون آباءهم، لأنهم لم ينالوا منهم ما كانوا يبتغون من رعاية، وفي حالات التبني للأطفال الرضع يحبون من رباهم و رعاهم، ولا يلتفتون إلى آبائهم البيولوجيين.

· حب الله: فهو جزء من الإيمان و شرط لاكتماله، وشكر له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، أو طمعا في جنته أو خوفا من عقابه، وهو في كل الأحوال لصالح الإنسان ومنفعته في الدنيا بشعوره أنه في معية الله، فيشعر بالأمان و الاطمئنان، وتغشاه السكينة، كما هو لصالحه ونفعه في الآخرة، لأنه الأمن في يوم الخوف العظيم، "يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" صدق الله العظيم.



ليس مكان الحب في القلب كما صوره الشعراء ، ولكنه في المخ



فما القلب إلا مجرد عضلة تدفع الدم لجميع أجزاء الجسم، أما المخ فهو مركز الانفعالات والعواطف ومصدرها وليست منطقة بعينها داخل المخ، ولكن هناك مجموعة من تراكيب المخ ترتبط ببعضها، يطلق عليها العلماء الجهاز الانفعالي، وهذه المجموعة لا تقوم بوظيفتها منفصلة، فهي ترتبط بقشرة المخ كما ترتبط بالغدة النخامية سيدة الغدد في الجسم، والتي توجد اسفل المخ على قاع الجمجمة، ولكن عندما يرى الشخص محبوبته فإن الرؤية تمر عبر جهاز الإبصار إلى قشرة المخ البصرية التي تستخرج من أرشيف الذاكرة ما يرتبط بشخص المحبوب من انفعالات وأفكار، فتتولد شحنة تصل إلى الجهاز الانفعالي الذي ينشط، فيولد انفعالا يسري في أجهزة الجسم المختلفة ومنها القلب الذي يختل إيقاعه، فتزداد سرعته وتشتد ضرباته وكل هذا يحدث في سرعة خاطفة لدرجة أن الشعراء ربطوا بين تغير ضربات القلب وبين شخص المحبوب: (بانت سعاد فهاج القلب من بان..)

و يتساءل البعض هل من وسيلة لكبح جماح الحب؟



إن فهم الدافع الداخلي للحب فهما واضحا دون لبس يقلل كثيرا من حدة الحب ويخلصه مما يشوبه من خيال، وينزل به إلى أرض الواقع، فالخيال هو المسئول عن اشتعال نار الحب. بالإضافة إلى أن الإشباع للحاجة الدافعة للحب غالبا ينهيه ويطفئ جذوته.



و بعد.. فإن الصراحة والموضوعية البحتة التي توخيتها في حديثي عن الحب ، وبعدي عن الخيال الأسطوري للحب، قد يجرد الحب من قدسيته، ويهوي به إلى أرض الواقع، هذه القدسية التي اعتدناها من الشعراء والأدباء حين جعلوا الحب صنما ضخموا في قدسيته بالقصائد الطوال وأساطير الخيال، ولكنه في الحقيقة شكل آخر من أشكال الأنانية وحب الذات، شكل يساعدنا على التكيف والاستمرار في هذه الحياة .. إنها نفس الإنسان البالغة التعقيد.. وتلك هي حقيقة الحب التي ستكون مرة للبعض وبلسم وشفاء للبعض الآخر

؟؟؟؟ بتعتقدى كدة انتى ؟؟